Sabtu, 01 Oktober 2016

خلاصة قوادح العلة




قمت بتلخيصها في المستوى السابع من كلية الشريعة في معهد العلوم الإسلامية والعربية بجاكرتا

# قال الإمام ابن قدامة رحمه الله:
فصل
قال بعض أهل العلم: يتوجه على القياس اثنا عشر سؤالًا:
الاستفسار -وفساد الاعتبار -وفساد الوضع -والمنع -والتقسيم -والمطالبة -والنقض- والقول بالموجب- والقلب- وعدم التأثير -والمعارضة- والتركيب.

@ الشرح:
هذه الأسئلة يسميها بعض العلماء أسئلة القياس وهو ظاهر كلام الإمام ابن قدامة, وبعضهم يسميها قوادح القياس أو الاعتراضات على القياس.
والسؤال الذي يرد على القياس إما سؤال استفادة يقصد به معرفة الحكم وإما سؤال عناد وتعجيز يقصد به قطع خصمه ورده إليه.
وهذه الأسئلة لا تنحصر في العدد الذي ذكره ابن قدامة, بل اختلفوا في عددها فمن الأصوليين من أوصلها إلى خمسة وعشرين سؤالا  كابن الحاجب وابن مفلح والفتوحي في مختصر التحرير, وأما الشوكاني فقد أوصلها إلى ثمانية وعشرين سؤالا, بينما حصرها الرازي في أربعة فقط: النقض، وعدم التأثير، والقول بالموجب، والقلب.
= هل يمكن أن ترد هذه الأسئلة على غير القياس من الأدلة الشرعية المتفق عليها؟
الجواب: بإمكاننا القول بأن كثيرا من هذه الأسئلة قد يرد على غير القياس من الأدلة, ولذا نجد من أهل العلم من خصها بمؤلف مستقل, فأبو الوليد الباجي ألف كتابا اسمه: المنهاج في ترتيب الحجاج وجعل هذا الكتاب خاصا في ذكر الأسئلة أو الاعتراضات التي ترد على الاستدلال بالأدلة عموما. وبعضها يختص بالقياس, ومثال الأول: الاستفسار ومثال الثاني: فساد الوضع.
= هل هذه الأسئلة أو القوادح جزء من علم أصول الفقه أو من علم الجدل؟
الجواب: أن للعلماء فيه اتجاهين:
الأول: عدها من ضمن علم الجدل, وهو ما سلكه الإمام الغزالي في كتاب المستصفى ورأى أن تفصيلها ليست له فائدة أصولية, قال رحمه الله: "هذه هي المفسدات، ووراء هذا اعتراضات مثل المنع وفساد الوضع وعدم التأثير والكسر والفرق والقول بالموجب والتعدية والتركيب، وما يتعلق فيه تصويب نظر المجتهدين قد انطوى تحت ما ذكرناه وما لم يندرج تحت ما ذكرناه فهو نظر جدلي يتبع شريعة الجدل التي وضعها الجدليون باصطلاحهم، فإن لم يتعلق بها فائدة دينية فينبغي أن تشح على الأوقات أن تضيعها بها، وتفصيلها وإن تعلق بها فائدة من ضم نشر الكلام ورد كلام المناظرين إلى مجرى الخصام كي لا يذهب كل واحد عرضا وطولا في كلامه منحرفا عن مقصد نظره، فهي ليست فائدة من جنس أصول الفقه بل هي من علم الجدل فينبغي أن تفرد بالنظر ولا تمزج بالأصول التي يقصد بها تذليل طرق الاجتهاد للمجتهدين"[1].
والاتجاه الثاني: إدخالها في علم أصول الفقه وإن كان أصلها من علم الجدل, وهو ما مشى عليه ابن قدامة في روضة الناظر وكثير من الأصوليين, وعللوا بأنها تتعلق بدليل مهم من أدلة التشريع وهو القياس فتعتبر تابعة له والتابع للشيء يُعد كأنه منه.

# السؤال الأول: الاستفسار
أما الاستفسار: فيتوجه على المجمل.
وعلى المعترض إثبات الإجمال، ويكفيه في إثباته: بيان احتمالين في اللفظ، ولا يلزمه بيان المساواة بينهما؛ لأنه ليس في وسعه ذلك.
وجوابه: منع تعدد الاحتمال، أو بترجيح أحدهما.

@ الشرح:
والاستفسار لغة: طلب الفسر, والفسر معناه بيان الشيء وإيضاحه, ومنه التفسير.
وفي اصطلاح الأصوليين: طلب بيان معنى اللفظ.
والاستفسار يتوجه على شيئين:
1. اللفظ المجمل
2. اللفظ الغريب
والإجمال معناه: احتمال اللفظ تعدد المعنى, والغرابة: كون اللفظ قليل الاستعمال أو وحشيا يحتاج في معرفته إلى مراجعة كتب اللغة. ومثال اللفظ المجمل: القرء فإن هذه الكلمة تحتمل معنى الحيض ومعنى الطهر, ومثال اللفظ الغريب: الهجرس والدغفل. ومن ثم نستنتج أن الاستفسار لا يختص بالقياس إذ هو قد يرد على غيره من الأدلة الشرعية.
= ما الذي يجب على المعترض حين الاستفسار؟
الجواب: إذا كان لفظ المستدل مجملا فللمعترض طلب البيان منه ولكن يجب عليه إثبات الإجمال ولا يكفي في ذلك مجرد دعواه وذلك لسد باب عناد كل معترض, وطريق بيان الإجمال: أن يبين له أن لفظه يحتمل معنيين فصاعدًا احتمالا مطلقًا. وكذلك إذا كان غريبا إلا أنه يكفي أن يقول المعترض إن اللفظ غريب عند أهل هذا الفن وإن كان معروفا عند أهل فن آخر.
= هل يلزم المعترض أن يبين التساوي بين المعنيين في الاحتمال؟
الجواب: لا يلزم بيان المساواة لأنه معتسر بل يتعذر أن يثبت أن أحد المعنيين مساو للآخر في الاحتمال.
= ما أمثلة الاستفسار؟
الجواب:
1) مثال الاستفسار عن المجمل:
1.قول المستدل في جماعة اشتروا سيارة فظهرت معيبة: "ليس لأحدهم الانفراد بالرد لأنه بان بالمبيع ما بان به جواز الانفراد", فيقول المعترض: ماذا تقصد بقولك "بان"؟ فإنها مجملة إذ هي إما من البيان وإما من البينونة والبين.
2. قول المستدل في المكره على القتل: "لا يجب عليه القصاص لأنه غير مختار" أو "وجب عليه القصاص لأنه مختار فأشبه غير المكره", فيقول المعترض: ماذا تعني بقولك "مختار"؟ فإنه لفظ مجمل, يطلق على قادر على الفعل وإن كان غير راض به وعلى راغب في الفعل وقادر عليه, وكلاهما مختار.
2) مثال الاستفسار عن الغريب:
1. قول المستدل في الكلب يأكل من صيده: "خراش لم يرضّ فلا تحل فريسته كالسِيد", فيقول المعترض: ما المراد بالخراش؟ وما معنى لم يرضّ؟ وما معنى الفريسة والسيد؟ فهذه ألفاظ غريبة.
2. قول المستدل: "لا يحل أكل الرئبال ولا السبنتي ويحل أكل الدغفل والهجرس", فيقول المعترض: ما معنى هذه الكلمات: الرئبال والسبنتي والدغفل والهجرس؟ فإنها غريبة.

= كيف الجواب عن سؤال الاستفسار؟
سؤال الاستفسار عن المجمل يجاب عنه بطرق:
أولا: منع تعدد احتمالات اللفظ إن أمكن ذلك, وهو أن يبين المستدل أن اللفظ لا يحتمل إلا معنى واحدا, وذلك مثل لو قال المستدل: "الصلاة بلا طهارة باطلة", فيقول المعترض: ما مراد بالصلاة؟ أتريد الدعاء أم ذات الركوع والسجود؟ فيجيب بأن الصلاة في الشرع لا تطلق إلا على ذات الركوع والسجود, فيبطل الاعتراض من أساسه.
ثانيا: أن يسلم باحتمال اللفظ إذا لم يمكنه الطريق الأول ويبين رجحان اللفظ في أحد المحملين, وذلك مثل أن يسلم بأن المختار يحتمل المعنيين ولكن يبين أن هذا اللفظ ظاهر فيمن لا حامل له على الفعل من خارج وهو قادر عليه برغبة من نفسه فلا يرادف حينئذ لفظ المكره.
ثالثا: إذا عجز المستدل عن الجواب يلزمه تفسير مراده بلفظه, وذلك بأن يقول في المثال الأول: أردت بقولي "بان بالمبيع ما بان به جواز الرد": بان الأولى بمعنى ظهر وبان الثانية بمعنى انتفى وانفصل.
وفي المثال الثاني يقول: أردت بالمختار من وقع الفعل بكسبه وقدرته ولا مانع له في بدنه وإن كان محمولا عليه من الخارج وهو حينئذ يرادف المكره.
وأما الجواب على الاستفسار عن اللفظ الغريب فهو ببيان المعنى المراد من اللفظ إذا تحقق في دعوى الغرابة شرط توجه سؤال الاستفسار عن الغريب وهو أن يكون اللفظ في مظنة الغموض بحيث لا يعرفه إلا المختصون باللغة أو يحتاج إلى بحث في المعاجم اللغة. وذلك بأن يقول في المثال الأول: المراد بالخراش: الكلب, ولم يرض: لم يعلم من الرياضة, وبالفريسة: الصيد, وبالسيد: الذئب, وأن يقول في المثال الثاني: الرئبال: الأسد, والسبنتي: النمر, والدغفل: ولد الفيل, والهجرس: ولد الثعلب.


# السؤال الثاني: فساد الاعتبار
وهو أن يقول: هذا قياس يخالف نصًّا، فيكون باطلًا، فإن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا لا يصيرون إلى قياس مع ظفرهم بالخبر؛ فإنهم كانوا يجتمعون لطلب الأخبار، ثم بعد حصول اليأس: كانوا يعدلون إلى القياس.
وقد أخر معاذ -رضي الله عنه- العمل به عن السنة، فصوبه النبيُّ، صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم.
والجواب من وجهين:
أحدهما: أن يبين عدم المعارضة.
والثاني: بيان أن القياس الذي استند إليه من قبيل ما يجب تقديمه على المعارض المذكور.

@ الشرح:
معنى فساد الاعتبار: بطلان اعتبار القياس وعدم جواز الاحتجاج به.
والقياس يكون فاسد الاعتبار إذا كان معارضا للنصوص من الكتاب والسنة أو الإجماع, لأن الأصل أنه لا قياس مع وجود النص. والدليل على بطلان القياس في مقابلة النص:
1. إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على أنه لا قياس مع النص, وهذا يعرف من عادتهم في طلب أحكام الوقائع فإنهم كانوا لا يلجئون إلى القول بالقياس إلا إذا لم يجدوا نصًا , فكانوا يطلبون النص أولًا , وكان من عادة عمر رضي الله عنه أن يجمع أكابر الصحابة ويسألهم وأبو بكر قبله قال: " أناشد الله رجلًا عرف من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا عن ميراث الجدة أن يخبرني" فكان يسأل هل هناك أحد عنده علم عن النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن ينقله, فإذا لم يوجد لجئوا إلى القياس .
2. حديث معاذ حينما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له: (بما تحكم؟ قال: بكتاب الله, قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله, قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو) فاستنبط العلماء من هذا الحديث أنَّ رتبة القياس الذي هو نوع من الاجتهاد متأخرة عن رتبة النص, ولا يُلجأ للقياس مع وجود النص.
= أمثلة فساد الاعتبار:
1. مثال ما خالف الكتاب: أن يقول المستدل: يشترط تبييت النية لرمضان؛ لأنه صوم مفروض فلا تصح نيته بالنهار, فهو في هذا كالقضاء المتفق على تبييت النية له. فيقول المعترض: هذا فاسد الاعتبار؛ لمخالفته نص الكتاب وهو: ((والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد لهم مغفرة وأجرا عظيما)) الأحزاب: 35، ففي هذه الآية بين الله تعالى أن الصائم له أجر عظيم، فيكون صومه صحيحًا.
2. مثال ما خالف السنة: أن يقول: لا يصح السلم في الحيوان؛ لأنه عقد يشتمل على الغرر فلا يصح، كالسلم في المختلطات. فيقول المعترض: هذا فاسد الاعتبار؛ لمخالفته لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رخص في السلم.
3. مثال ما خالف الإجماع: قول الحنفي: لا يجوز أن يغسِّل الرجل زوجته؛ لأنه يحرم النظر إليها، فحرم غسلها كالأجنبية. فيقول المعترض: هذا فاسد الاعتبار، لمخالفته الإجماع السكوتي، وهو أن عليًّا غسَّل فاطمة ولم ينكر عليه أحد، والقضية في مظنة الشهرة، فكان ذلك إجماعًا سكوتيا.
= كيف الجواب على فساد الاعتبار:
الجواب: يجيب المستدل على اعتراض السائل بفساد الاعتبار بطريقين:
1) منع المعارضة, وذلك أن يبين أن النص لا يعارض القياس.
2) وأن يبين المستدل أن القياس الذي استند إليه من قبيل ما يجب تقديمه على النص المعارض, وذلك لأسباب منها:
1- أن يطعن في سند النص المعارض -إن لم يكن كتابا أو سنة متواترة- بأنه ضعيف السند.
2- أن يبين كون القياس قياسا جليا فيقدم على ظاهر النص.
3- أن يمنع المستدل كون النص ظاهر الدلالة.
4- أن يعارضه المستدل بنص آخر مثله فيتساقط النصان فيسلم قياسه.

ومثال الجواب عن فساد الاعتبار: أن يقول المستدل ردا على اعتراض السائل في عدم وجوب تبييت النية في صوم رمضان: نسلم أن الآية تدل على أن الصائم يثاب -ونحن نقول ذلك-, لكنها لا تدل على صحة الصوم بدون تبييت النية, فقياسنا لا يعارض نص الآية.
أو يقول إن القياس يقدم في هذا المثال على ظاهر نص الآية إذ هي مطلقة قيدها حديث: (لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل).


# السؤال الثالث: فساد الوضع
وهو: أن يبين أن الحكم المعلق على العلة تقتضي العلة نقيضه.
مثاله: ما لو قال: في النكاح بلفظ الهبة: "لفظ الهبة ينعقد به غير النكاح، فلا ينعقد به النكاح كالإجارة".
فيقال له: هذا تعليق على العلة ضد ما تقتضيه؛ فإن انعقاد غير النكاح به يقتضي انعقاد النكاح به، لا عدم الانعقاد.
 وجوابه من وجهين:
أحدهما: أن يدفع قول الخصم: "إنه يقتضي نقيض ذلك".
الثاني: أن يسلم ذلك، ويبين أنه يقتضي ما ذكره من وجه آخر، والحكم على وفقه فيجب تقديمه؛ لأن الأخذ بما ظهر اعتباره أولى من الأخذ بغيره.
فإن ذكر الخصم لما ذكره أصلًا يشهد له بالاعتبار فهو انتقال إلى سؤال المعارضة.

@ الشرح:
يعنى بفساد الوضع: بأنه اقتضاء العلة ضد أو نقيض ما عُلِّق عليها من الأحكام, وذلك أن يبين المعترض أن الحكم الذي علقه المستدل على العلة تقتضي العلة نقيضه أو خلافه. وسمي بهذا الاسم لأن معنى وضع الشيء: جعله في محل على هيئة أو كيفية ما, فإذا كان ذلك المحل أو تلك الهيئة لا تناسبه كان وضعه على خلاف الحكمة, وما كان على خلاف الحكمة كان فاسدا.
= مثال فساد الوضع:
أن يقول المستدل: عقد النكاح لا يصح بلفظ الهبة؛ لأن كل لفظ يعقد به غير النكاح لم ينعقد به النكاح؛ قياسا على الإجارة. فيقول المعترض: قياسك هذا فاسد الوضع؛ لأن انعقاد غير النكاح به يقتضي ويناسب انعقاد النكاح به؛ لأن تأثيره في انعقاد غير النكاح به دليل على أن له أثرا في انعقاد العقود, والنكاح عقد فلينعقد به.
= كيف الجواب عن فساد الوضع؟
 الجواب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن يدفع المستدل قول المعترض: إن العلة تقتضي نقيض ذلك أو خلافه. فيقول له: لا أسلم ذلك فلفظ الهبة إنما يدل على تأثيره فيما وضع له وأما غير الهبة فلا, لأن تأثير لفظ العقد إنما يكون في  موضوعه لإشعاره  بخواصه ودلالته عليها بحكم الوضع, والنكاح والبيع والإجارة لها خواص لا يشعر بها لفظ الهبة, فيضعف عن إفادتها والتأثير في انعقادها به.
الوجه الثاني: أن يسلم الاعتراض كأن يقول: سلمنا أن انعقاد غير النكاح بلفظ الهبة يقتضي انعقاد النكاح به, لكن اقتضاؤه لعدم انعقاده  أقوى من اقتضائه لانعقاده؛ والتعليل أن انعقاد النكاح بلفظ الهبة يقتضي أن لفظ الهبة مشترك بينهما أو مجاز في النكاح عن الهبة, والاشتراك والمجاز خلاف الأصل, والأصل أن كل عقد يخصص بلفظ وما وافق الأصل أولى مما خالفه.

# السؤال الرابع: المنع
ومواقعه أربعة:
منع حكم الأصل.
منع وجود ما يدّعيه علة الأصل.
ومنع كونه علة [في الأصل] .
ومنع وجوده في الفرع.
وقد اختلف في انقطاع المستدل عند توجه منع الحكم في الأصل: والصحيح: أنه لا ينقطع، على التفصيل الذي ذكرناه.
الثاني: منع وجود ما يدعيه علة في الأصل. فعند ذلك يحتاج المستدل إلى إثباته.
إن كان عقليًّا فبالاسترواح إلى أدلة العقل.
وإن كان محسوسًا بالاستناد إلى شهادة الحس.
وإن كان شرعيًّا فبدليل شرعي.
وقد يقدر على ذلك بإثبات أثر، أو أمر يلازمه.
الثالث: منع كونه علة [في الأصل] فيحتاج إلى إثباتها بأحد الطرق التي ذكرناها.
الرابع: منع وجود ما ادّعاه علة في الفرع.
ولا بد لبيان ذلك بطريقة. 

@ الشرح:
سؤال المنع هو من أوسع الأسئلة؛ لأنه عبارة عن أربعة أنواع وليس نوعا واحدا.
النوع الأول: منع حكم الأصل.
النوع الثاني: منع وجود الوصف الذي يدَّعي المستدل أنه علة.
النوع الثالث: منع كون الوصف علة.
النوع الرابع: منع وجود ما ادُّعي كونه علة في الفرع.
= مثال يوضح هذه الأنواع الأربعة:
إذا قال المستدل: النبيد مسكر، فكان حرامًا، قياسًا على الخمر. فيقول المعترض: لا نسلم تحريم الخمر، إما جهلا بالحكم، أو عنادًا فهذا منع حكم الأصل.
ولو قال: لا أسلم وجود الإسكار في الخمر، لكان هذا منع وجود المدعى علة في الأصل.
ولو قال: لا أسلم أن الإسكار علة التحريم لكان هذا منع علية الوصف في الأصل.
ولو قال: لا أسلم وجود الإسكار في النبيذ، لكان هذا منع وجود العلة في الفرع.

= كيف الجواب على منع المعترض لحكم الأصل؟
الجواب من المستدل على ذلك أن يظهر دليلا على ثبوت حكم الأصل من نص أو إجماع, فإذا أقام الدليل على ذلك سلم قياسه من هذا الاعتراض أو القادح.

= خلاف العلماء في انقطاع المستدل بعد توجه منع المعترض لحكم الأصل.
إذا منع المعترض حكم الأصل فهل يكون ذلك قطعا للمستدل أو يمكن من إثباته بالدليل؟
فيه خلاف والراجح عند ابن قدامة أن المستدل لا ينقطع بمجرد المنع, وإنما يعتبر منقطعا إذا عجز عن إثبات حكم الأصل بالدليل, وهو رأي جمهور العلماء. والدليل على ذلك أن انتقال المستدل إلى إثبات حكم الأصل بالدليل انتقال إلى ما يتم به مقصوده, إذ القياس لا يتم إلا بثبوت حكم الأصل.

= كيف الجواب عن منع المعترض وجود العلة في الأصل؟
الجواب يكون بأن يثبت المستدل وجود الوصف الذي علل به في الأصل بما هو طريق ثبوت مثله, لأن الوصف قد يكون حسيا فطريق إثباته الحس, أوعقليا فطريق إثباته العقل, أو شرعيا فطريق إثباته الشرع, وهاك مثالا يجمع الثلاثة: إذا قال في القتل بالمثقل قتل عمد عدوان كالقتل بالجارح, فلو قيل: لا نسلم أنه قتل قال: الحس شاهد على ذلك, وإذا قيل: لا نسلم أنه عمد قال: معلوم عقلا بأمارته, وإذا قيل: لا نسلم أنه عدوان قال: لأن الشرع حرمه.
=  كيف الجواب عن منع المعترض كون الوصف علة؟
الجواب يكون بأن يبين علية ذلك الوصف ويثبتها بأحد طرق إثبات العلة الشرعية (مسالك العلة), وهي معرفة العلة بالنص أو الإجماع أو الاستنباط بالمناسبة والسبر والتقسيم والدوران كما سبق ذلك في المستوى السابع.
= كيف الجواب عن منع المعترض وجود العلة في الفرع؟
الجواب من المستدل يكون بنفس جوابه عن منع المعترض وجود العلة في الأصل.

# السؤال الخامس: التقسيم
وحقه أن يقدم على المطالبة؛ إذ فيه منع، والمطالبة: تسليم محض. والمنع بعد التسليم غير مقبول، إذ هو رجوع عما اعترف به. والتسليم بعد المنع يقبل؛ لأنه اعتراف بما أنكر فيقبل؛ لأنه علته والإنكار بعد الاعتراف له فلا يقبل.
ويشترط لصحته شرطان:
أحدهما: أن يكون ما ذكره المستدل منقسمًا إلى: "ما يمنع ويسلّم".
فلو أورد ذلك بذكر زيادة في الدليل على ما ذكره المستدل فلا يصح؛ لأنه يمهد لنفسه شيئًا، ثم يوجه الاعتراض، فحينئذ يكون مناظرًا مع نفسه، لا مع خصمه.
الثاني: أن يكون حاصرًا لجميع الأقسام، فإنه إذا لم يكن حاصرًا فللمستدل أن يبين أن مورده غير ما عينه المعترض بالذكر، فعند ذلك يندفع.
وطريق المعترض في صيانة تقسيمه عن هذا الدفع أن يقول عن التقسيم: إن عنيت به هذا المحتمل: فمسلم، والمطالبة متوجهة.
وإن عنيت به ما عداه: فممنوع.
وذكر قوم: أن من شرط صحته: أن يكون الاحتمال في الأقسام على السواء.
لكن يكفيه بيان الاحتمالات، ولا يلزمه بيان المساواة، لكونه غير مقدور عليه.
وأنه إذا بين المستدل ظهور اللفظ في مجمل. إما بحكم الوضع، وإما بحكم العرف، وإما بقرينة وجدت: فسد التقسيم.

@ الشرح:
التقسيم معناه العام هو: تعداد الأقسام أو ذكر الأقسام، وهو في اصطلاح الأصوليين واصطلاح أهل الجدل معناه: أن يبين المعترض أنَّ ما قاله المستدل منقسم إلى قسمين أو أكثر، بعضها مُسلَّم ولكنه لا يفيده شيئًا في الاستدلال؛ لأنه مطالبٌ بإقامة الدليل على صحته، وبقية الأقسام يمنعها.

= سبب تقديم سؤال التقسيم على سؤال المطالبة
والسبب أن سؤال التقسيم حقيقته منع لوجود العلة, وأما المطالبة فهو تسليم محض, وذلك لأن المعترض إذا قال للمستدل: ما الدليل على أن الجامع الذي ذكرته هو علة الحكم, فإن هذا يتضمن تسليم وجود الجامع المذكور.
إذن يكون المنع -وهو التقسيم- قبل التسليم -وهو المطالبة-, لأن التسليم بعد المنع مقبول إذ هو اعتراف بما منعه أولا, وأما المنع بعد التسليم فغير مقبول إذ هو إنكار بعد الاعتراف. 

= طريقة المعترض في إيراده للتقسيم
أن يقول المعترض: إنه ورد في قياسك -أيها المستدل- لفظ كذا, وهذا اللفظ قد احتمل معنيين, هما: كذا وكذا, فإن عينت وأردت المعنى الأول فمسلم لكن لا يفيدك في قياسك, وإن عينت وأردت المعنى الثاني فممنوع لأنه كذا.
= شروط صحة سؤال التقسيم
الشرط الأول: أن يكون لفظ المستدل مما يصح تردده وانقسامه إلى احتمالين أحدهما يمنعه المعترض والآخر يسلم به.
الشرط الثاني: أن يكون تقسيم المعترض حاصرا لجميع الأقسام التي يحتملها لفظ المستدل, فإن لم يكن حاصرا لم يصح التقسيم.
الشرط الثالث: أن يكون تقسيم المعترض مطابقا لما ذكره المستدل بحيث لا يورد في التقسيم زيادة على ما ذكره المستدل في دليله, لأنه حينئذ يكون مناظرا لنفسه لا للمستدل. وهذا الشرط الثالث في الحقيقة يستخرج من ضمن كلام ابن قدامة في الشرط الأول في روضة الناظر.

= مثال لما استوفى الشروط:
1. إذا قال المستدل في بطلان نذر صوم يوم النحر: إنه نذر معصية فلا يعقد قياسا على سائر المعاصي, فيقول المعترض: هو معصية لعينه أو لغيره؟ الأول ممنوع, لأن الصوم في ذاته طاعة, والثاني مسلم لكن لا يقتضي البطلان لكون المعصية طارئة عليه.
2. إذا قال المستدل في الصبي إذا صلى في الوقت ثم بلغ: إنها وظيفة صحت من الصبي فلم يلزمه إعادتها كالبالغ. فيقول المعترض: صحت منه فرضا أو نفلا؟ الأول ممنوع لأن الصبي غير مكلف فكيف تكون فرضا مع عدم خطاب بالتكليف بها؟ والثاني مسلم لكن كونها نفلا لا يقتضي عدم وجوب الإعادة لأن النفل لا يجزئ عن الفرض بخلاف صلاة البالغ.

= هل يشترط التساوي في الاحتمالات التي يوردها المعترض في تقسيمه؟
فيه خلاف والراجح أنه يشترط أن تكون الاحتمالات والأقسام التي يذكرها المعترض متساوية, لأن اللفظ لو كان ظاهرا في أحد المعنيين والاحتمالين دون الآخر لم يكن للتقسيم وجه, ولذلك إذا بين المستدل ظهور اللفظ في مجمل إما بحكم الوضع أو بحكم العرف أو بقرينة وجدت فسد التقسيم. ولكن يكفيه بيان الاحتمالات بإطلاق اللفظ بإزاء الاحتمالين ولا يلزمه بيان المساواة بينهما لكونه غير مقدور عليه.

= كيف الجواب عن سؤال التقسيم؟
الجواب يكون بطرق:
أولها: أن يبين فساد التقسيم باختلال شرط من شروطه السابقة يقول مثلا: التقسيم غير حاصر، أو التقسيم الذي ذكرته لم يرِد على كلامي، أو تقسيمك باطل لأنه لم يتردد بين الإثبات والنفي.
الطريق الثاني: أن يبين أنَّ كلامه لا يحتمل أكثر من معنى، كلامه لا يحتمل إلا المعنى الذي قصده .
الطريق الثالث: أن يبين أن لفظه ظاهر في أحد الاحتمالات، يقول: لفظي ظاهر في أحد الاحتمالات، فيُحمل عليه، كما لو كان التقسيم بذكر المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، لو أورد سؤالا في التقسيم بذكر المعنى الحقيقي والمجازي فللمستدل أن يجيب بأنَّ احتمال الحقيقة أظهر، وهو الذي قصدته.
# القسم السادس، في السؤال، المطالبة.
وهي: طلب المستدل بذكر ما يدل على أن ما جعله جامعًا هو العلة.
وهو المنع الثالث في المعنى. وفيه: تسليم وجود العلة في الفرع، وفي الأصل، وتسليم الحكم.
وجواب ذلك بيان كونه علة بأحد الطرق التي ذكرناها.

@ الشرح:
المطالبة باختصار هي: طلب دليل علية الوصف من المستدل.
معناه: أن يطلب المعترض من المستدل الدليل على أن الوصف الذي جعله جامعًا بين الأصل والفرع علة، كقوله فيما إذا قال: مسكر، فكان حرامًا كالخمر، أو مكيل، فحرم فيه التفاضل كالبر. فيقول المعترض: لِمَ قلت: إن الإسكار علة التحريم، وإن الكيل علة الربا؟
وسؤال المطالبة يتضمن تسليم حكم الأصل وتسليم الوصف في الأصل والفرع, فالمعترض مسلم بهذه الأمور الثلاثة، ولكنه يطلب دليلا على أن الوصف المذكور هو العلة، كما في المثال المتقدم.
ومرجع سؤال المطالبة إلى النوع الثالث من أنواع المنع, وهو منع علية الوصف في الفرع والأصل بعد تسليمه بوجود الوصف في الأصل والفرع. ولذلك يكون الجواب عن هذا مثل الجواب عن الثالث من أنواع المنع, وهو أن يبين المستدل أن هذا الوصف أو الجامع هو العلة بأحد مسالك إثبات العلة كما سبق ذكرها في موضعه.

# القسم السابع -في السؤال- النقض.
ومعناه: إبداء العلة بدون الحكم. أي: أن لا تكون العلة مطابقة للحكم. وقد ذكرنا الخلاف في كونه مفسدًا للعلة فيما مضى ورجحنا قول من قال: بصحة النقض.
واختلف في وجوب الاحتراز في الدليل عن صورة النقض, والأليق: وجوب الاحتراز؛ فإنه أقرب إلى الضبط، وأجمع لنشر الكلام، وهو هيِّن.
ثم للمستدل في دفع النقض طرق أربعة: منها: منع وجود العلة أو الحكم في صورة النقض.
وليس للمعترض أن يدل عليه؛ إذ فيه الكلام إلى مسألة أخرى، وتصدي المعترض لمنصب الاستدلال، وكل واحد منها على خلاف ما يقتضيه جمع الكلام.
فإن قال المستدل: لا أعرف الرواية فيها: كفى ذلك في دفع النقض؛ لأن كون هذه المسألة من مذهبه مشكوك فيها، فلا يترك ما قام الدليل على صحته لأمر مشكوك فيه.
الثالث: أن يبين في الموضع الذي تخلف الحكم فيه، ما يصلح مستندًا لذلك من: "فوات شرط" أو "وجود مانع"؛ ليظن استناد تخلف الحكم إليه، فيبقى الظن المستفاد من الدليل بحاله.
ويكفيه أن يبين -في صورة النقض- معنى يناسب انتفاء الحكم، أو فوات أمر يناسب الاشتراط، فإن الغالب: اعتبار المصالح والمفاسد.
.....
الرابع في دفع النقض:
أن يبين كونه مستثنى عن القاعدة بكونه على خلاف الأصلين، على ما مر....

@ الشرح:
النقض لغة: الهدم والنكث والحل والإبطال.
واصطلاحا: تخلف الحكم عن العلة بأن وجدت العلة في صورة بدون الحكم.
وسؤال النقض يعني إبداء العلة بدون الحكم وذلك أن يبين المعترض أن العلة التي علل المستدل بها وجدت مع عدم وجود الحكم.
ومثاله: أن يقول المستدل: من لم ينو الصوم من الليل فصومه عار عن النية, وإذا عري أوله عن النية لم يكن صحيحا؛ قياسا على سائر العبادات كالصلاة.
قيقول المعترض: قياسك هذا منقوض بصوم التطوع فإنه يصح وإن عري أوله عن النية. فاعترف المستدل بذلك كان نقضا صحيحا عند من يراه قادحا ومفسدا للعلة, وأما من لم يره قادحا ومفسدا فلا يسميه نقضا, بل جعله من باب تخصيص العلة.
وقد سبق ذكر خلاف العلماء في النقض هل هو يكون مفسدا للعلة أو لا؟ على ثلاثة مذاهب, والراجح عند ابن قدامة: أن تخلف الحكم مع وجود العلة يعتبر مفسدا لتلك العلة إذا كانت العلة مستنبطة.
= فائدة: اتفق الأصوليون على أن النقض إذا كان واردا على سبيل الاستثناء لا يقدح في كون الوصف علة في غير الصورة المستثناة ولا يبطل عليته. ومثاله:
جواز بيع العرايا -وهي بيع الرطب على رؤوس النخل- بالتمر, فإنه ناقض لعلة تحريم الربا سواء جعلت علة التحريم  الطعم أو الكيل أو القوت أو المال, لأن كلا من هذه الأوصاف موجود في العرايا, والتحريم تخلف عنها حيث جاز بيعها مجازفة مع وجود التفاضل, ولكن لما كان تخلف الحكم مستثنى بالنص عليه كان النقض غير قادح في علية الوصف.
= خلاف العلماء في الاحتراز عن صورة النقض
والراجح عند ابن قدامة أن الأليق وجوب احتراز المستدل في دليله عن صورة النقض, لأن الاحتراز أقرب إلى ضبط الكلام بشروط ومواصفات يتخصص به, وفيه حسم لمادة الشغب ومنع لنشر الكلام, ومنع لتطر الاحتمال إلى كلام المستدل, وهو أمر سهل لا يكلف.
ومثاله: أن يقول المستدل: النباش سرق نصابا من حرز مثله, وليس أبا للمسروق, ولا مديونا له فوجب القطع قياسا على سارق الحي. فهنا أتى المستدل بأوصاف وهي قوله: "سرق نصابا, من حرز مثله, وليس أبا للمسروق, ولا مديونا له" حتى لا ينقض المعترض قياسه ببعض تلك الأوصاف.
= طرق الجواب عن سؤال النقض
الطرق أربعة:
1. أن يقوم المستدل بمنع وجود العلة بتمامها في صورة النقض.
ومثال ذلك:
-قال المستدل: إن صوم من لم يبيت النية في صوم رمضان لا يصح؛ لأنه عري أول صوم عن تلك النية.
-قال المعترض: إن هذا منقوض بتخلف صوم التطوع, فإنه مع عدم تبييت النية يصح مع أن أول صومه قد عري عن النية.
-قال المستدل مجيبا عن هذا النقض: إن علة البطلان ليس عراء أول مطلق الصوم عن النية, بل يقيد كونه صوما مفروضا, ولما كان هذا القيد مفقودا في صوم النفل فإن هذا يعني أن العلة لم توجد بكمالها فيه.
2.  أن يقوم المستدل بمنع ما ذهب إليه المعترض من تخلف الحكم عن العلة في صورة النقض.
ومثال ذلك:
-قال المستدل: إن القصاص يثبت على القاتل إذا قتل عمدا متعديا (أي: علة القصاص القتل عمدا عدوانا).
-قال المعترض: ينتقض ذلك بقتل الوالد ولده, فإنه وإن كان عمدا عدوانا فإنه لا يجب به القصاص, وحينئذ فقد امتنع الحكم عن علته.
-قال المستدل: أمنع تخلف الحكم في هذه الصورة, وذلك أن الأب إذا قتل ابنه عمدا عدوانا وانتفت كل احتمالات التأديب كأن أخذه وأضجعه وذبحه فإنه يقتل به في هذه الحالة, وعلى هذا فإن الحكم في الصورة موجود حقيقة.
= مسألة: هل للمعترض أن يذكر دليلا على وجود العلة أو الحكم في صورة النقض؟
اختلف فيها على مذهبين, والراجح عند ابن قدامة أنه ليس للمعترض أن يدلل على وجود العلة أو الحكم في صورة النقض, والدليل على ذلك أن المعترض لو دلل على وجود العلة أو الحكم في صورة النقض لصار مستدلا, والمستدل ينقلب إلى معترض, ثم يكون ذلك انتقالا إلى مسألة أخرى أي: من الاعتراض إلى الاستدلال, وهذا خلاف ما يقتضيه جمع الكلام إذ هو يؤدي إلى انتشار الكلام وابتعاده عن الغرض المقصود.
= مسألة: هل يكفي المستدل في دفع النقض أن يقول لا أعرف الرواية فيها؟
إذا قال المستدل: لا أعرف مذهبي في هذه الصورة أو لا أعرف مذهب إمامي أو لا أعرف الرواية عندنا في المذهب كأن يقول مثلا: لا أدري هل الرواية المشهورة في مذهبنا أنه يقتل به أو لا يقتل, فإنه يكفيه في الجواب عن سؤال النقض.
ودليل ذلك: أن علة القياس التي أوردها المستدل صحيحة, وقد ثبت بطرق إثبات العلة السابق ذكرها. وفإذا لم يعرف المستدل تلك الرواية التي أوردها المعترض في صورة النقض  احتمل أمرين:
الأول: أن يكون الحكم على وفق العلة في تلك الصورة فلا يرد النقض,
والثاني: أن يكون الحكم على خلاف العلة فيرد النقض.
وإذا احتمل هذا واحتمل هذا فقد وقع الشك والتردد, فلا يترك المستدل ما ثبت يقينا -وهو ثبوت العلة بأحد إثبات طرقها- من أجل شيء مشكوك فيه.
3. أن يبين المستدل بأن الحكم الذي تخلف مع وجود علته في هذه الصورة إنما تخلف بسبب وجود مانع أو فوات شرط.
مثال وجود المانع:
-قال المستدل: القتل العمد العدوان علة في وجوب القصاص.
-قال المعترض: إن هذا منقوض بقتل الوالد ولده فإنه لا يقتل به عند الجميع.
-قال المستدل إجابة عن النقض: إن الوالد لا يقتص منه إذا قتل ولده بسبب وجود المانع وهو أن الوالد سبب في وجود الولد فلا يكون الولد سببا لعدم والده.
مثال فوات الشرط:
-قال المستدل:إن العلة في قطع السارق هي أخذ المال المحترم خفية من حرز مثله.
-قال المعترض: إن هذا منقوض بالصبي فإنه إذا أخذ المال خفية من حرز مثله لا يقطع.
 -قال المستدل إجابة عن النقض: الصبي لا يقطع بسبب فوات الشرط وهو أنه يشترط في قطع السارق أن يكون بالغا.
= مسألة: هل يكفي المستدل في الجواب أن يبين في صورة النقض معنى يناسب انتفاء الحكم أو فوات أمر يناسب الاشتراط؟
اختلف فيها على مذهبين, والراجح عند ابن قدامة أنه يكفيه, واستدل عليه بأن الأحكام غالبا ما تثبت لتحصيل مصلحة أو لدرء مفسدة, فأي حكم يخالف ذلك فقد خالفه لمصلحة أعظم من المصلحة التي تركت لأجله أو لدرء مفسدة أعظم.
وعلى هذا المذهب فلا يحتاج المستدل إلى بيان وجود المانع أو فوات الشرط, مثل أن يقول: القصاص يجب في القتل العمد العدوان ما لم يكن القاتل والدا للمقتول, لأن ذلك يودي إلى الدور فإذا قال ذلك كان ثبوت المقتضي -وهو القصاص- متوقفا على ثبوت المانع -وهو الأبوة-, وثبوت المانع متوقفا على ثبوت المقتضي..وهكذا.
4. أن يبين المستدل أن الحكم في صورة النقض قد ورد مستثنى عن القاعدة بكونه على خلاف أصل المستدل وأصل المعترض.
ومثاله: مسألة العرايا فإنه يجوز فيها التفاضل, وهذا مستثنى من قاعدة تحريم الربا في كل مكيل, وهذا قد اتفق عليه بين المستدل والمعترض.
= ذكر الإمام ابن قدامة الطرق الأربعة للجواب عن سؤال النقض في هذا الموضع, وهناك طريق خامس وهو: أن يبين المستدل أن تخلف الحكم في صورة النقض كان لوجود علة أخرى أقوى أو لمعارضة علة أخرى أقوى من تلك العلة.
ومثال ذلك:
-قال المستدل: إن علة رق الولد هي كون أمه رقيقة.
-قال المعترض: ينتقض عليك هذا بولد المغرور بامرأة يظنها حرة فإن الولد حر مع أن أمه رقيقة.
-قال المستدل: إن الحكم تخلف في هذه الصورة لمعارضة علة أخرى أقوى منها, فعلتي مطردة إلا في هذا الموضع لوجود معارض واضح, وبالتالي كل رقيقة يكون ابنها رقيقا إلا إذا كان الزوج مغرورا بها.
= سؤال الكسر
معناه: إبداء الحكمة بدون الحكم أو بعبارة أخرى: تخلف الحكم عن الحكمة, أي تكون الحكمة موجودة ولكن الحكم تخلف, والمراد بالحكمة هنا علة العلة كالمشقة في السفر.
وهذا النوع عند ابن قدامة لا يبطل العلة ولا يقدح فيها, وقال ابن قدامة مبينا دليل ذلك: "لأن الحكم مما لا ينضبط بالرأي والاجتهاد فيتعين النظر إلى مراد الشارع في ضبط مقدارها".
مثال الكسر:
-قال المستدل معللا جواز الترخص للعاصي بسفره: يترخص فهو كالمسافر سفرا مباحا لأنه يجد مشقة في سفره فناسب الترخص.
-قال المعترض: ما ذكرته من الحكمة -وهي المشقة- منتقض بالمكاري وأرباب الأعمال الشاقة فهم يجدون  المشقة ولا يجوز لهم الترخص ابتداء, وكذلك المريض الحاضر يجد المشقة ولا يجوز له قصر السفر.

# الوجه الثامن -في الاعتراض- القلب
ومعناه: أن يذكر لدليل المستدل حكمًا ينافي حكم المستدل، مع تبقية الأصل والوصف بحالهما.
وهو قسمان:
أحدهما: أن يبين أنه يدل على مذهبه.
مثاله: أن يعلل حنفي -في الاعتكاف بغير صوم- بأنه لبث محض، فلا يكون قربة بمفرده، كالوقوف بعرفة.
فيقول المعترض: لبث محض، فلا يعتبر الصوم في كونه قربة، كالوقوف بعرفة.
القسم الثاني: أن يتعرض لبطلان مذهب خصمه.
كما لو قال حنفي، في مسح الرأس: ممسوح في الطهارة، فلا يجب استيعابه كالخف.
فيقول خصمه: ممسوح في الطهارة، فلا يتقدر بالربع كالخف.

@ الشرح:
القلب لغة: تغيير هيئة الشيء على خلاف الهيئة التي كان عليها بجعل الشيء منكوسا أعلاه أسفله.
والمقصود بالقلب عموما هو قلب دليل الخصم عليه وهو يرد على غير القياس.
ومثال القلب في غير القياس:
الحنابلة والشافعية يستدلون بحديث (ذكاة الجنين ذكاة أمه) على أن الجنين إذا وجد في بطن الناقة أو الشاة التي ذبحت ذبحا شرعيا يكون حلالا يؤكل من غير أن يذكى. فالحنفية يقلبون هذا الدليل عليهم ويقولون: هذا الحديث معناه أنه يذكى كما تذكى أمه, وليس معناه  أنه لا يذكى, فهذا قلب للدليل.
وتعريف القلب الوارد على القياس اصطلاحا عند أبي الخطاب: أن يعلق المعترض نقيض حكم المستدل على علته بعينها, وهو أوضح من تعريف ابن قدامة القائل:
أن يذكر لدليل المستدل حكمًا ينافي حكم المستدل، مع تبقية الأصل والوصف بحالهما, يعني: أن يدعي المعترض أن الدليل الذي جعله المستدل دليلا لمدعاه إنما هو دليل عليه لا له, فيقلب حجته عليه لا له مع إقراره ببقاء الأصل والعلة بحالهما دون تغيير.
وسؤال القلب بالنظر إلى مقصود المعترض منه ينقسم إلى قسمين:
1. أن يقصد المعترض بقلب دليل المستدل تصحيح مذهب نفسه وإبطال مذهب المستدل.
2. أن يقصد المعترض إبطال مذهب خصمه فقط دون تصحيح مذهب نفسه.
مثال الأول:
- قال المستدل الحنفي مستدلا على اشتراط الصوم في الاعتكاف بالقياس على الوقوف بعرفة: الاعتكاف بغير صوم لبث محض، فلا يكون قربة بمفرده، كالوقوف بعرفة, فإن الوقوف بعرفة لا بد من أن يقترن به الإحرام والنية ليكون قربة, فكذلك الاعتكاف لا يكون بمجرده قربة حتى يقترن بغيره من العبادات وهو الصيام.
- قال المعترض قالبا دليل خصمه: إنه لبث محض، فلا يعتبر الصوم في كونه قربة كالوقوف بعرفة, لأن الوقوف بعرفة لا يشترط لصحته الصوم فكذلك الاعتكاف.
والقسم الثاني إما بطريق التصريح, ومثاله:
- قال المستدل الحنفي في عدم وجوب استيعاب الرأس بالمسح: الرأس ممسوح فلا يجب استيعابه بالمسح كالخف.
- قال المعترض قالبا دليل خصمه: الرأس ممسوح فلا يقدر بالربع كالخف.
وإما بطريق الالتزام, ومثاله:
- قال المستدل في تصحيح بيع الغائب: عقد معاوضة فينعقد مع جهل العوض أو الجهل بالمعوض كالنكاح.
- قال المعترض: إنه عقد معاوضة فلا يعتبر فيه خيار الرؤية كالنكاح.
فالنكاح يصح مع جهل أو عدم رؤية الزوجة ومع ذلك لا يثبت جيار الرؤية للزوج بعد رؤيتها, بخلاف البيع مع جهل المبيع فإنه يثبت للمشتري خيار الرؤية عند رؤيته -عند من قال بصحته-. فهنا قد أبطل المعترض دليل المستدل التزاما إذ دل على بطلانه ببطلان لازمه وهو خيار الرؤية, فإذا بطل شرط خيار الرؤية بطل مشروطه وهو صحة بيع الغائب.

= القلب نوع من المعارضة
وهو معارضة خاصة, لأنه إبداء مناسبة وصف المستدل بخلاف حكمه. وما دام نوع من المعارضة فالجواب عنه مثل الجواب عن سؤال المعارضة الذي سيأتي الكلام فيه.
ويختلف القلب عن المعارضة بأمرين:
1. أن القلب لا يحتاج إلى أصل, لأنه قلب نفس دليل المستدل.
2. أن القلب لا يحتاج إلى إثبات الوصف, لأنه ثابت بدليل المستدل.

# الوجه التاسع -من السؤال- المعارضة:
وهو قسمان:
معارضة في الأصل.
ومعارضة في الفرع.
وأحسنهما: المعارضة في الأصل؛ لأنه لا يحتاج إلى ذكر غير صلاحية ما يذكره، ولا يحتاج إلى أصل.
وفي المعارضة في الفرع يحتاج إلى ذكر صلاحية ما يذكره للتعليل، وأصل يشهد له، ثم ينقلب مستدلًا، والمستدل معترضًا عليه.
ومعنى المعارضة في الأصل: أن يبين في الأصل الذي قاس عليه المستدل معنى يقتضي الحكم.
 فقد قال قوم: إنه لا يحتاج المستدل إلى حذفه؛ لأنه لو انفرد ما ذكره صح التعليل به. وإنما صح، لصلاحيته، لا لعدم غيره، إذ العدم ليس من جملة العلة، وصلاحيته لا تختلف. ولأن معنى العلة: أنه إذا وجدت: ثبت الحكم عقبه، فعند ذلك لا تتحقق المعارضة بين الوصفين إذا أمكن الجمع، بأن قال: إذا وجد كل واحد منهما: ثبت الحكم.
فإن بين المعترض أن الوصف الذي ذكره يناسب إثبات الحكم عند وجود ما ذكره المستدل، فيكون من قبيل المانع في الفرع. والصحيح: أن المستدل يلزمه حذف ما ذكره المعترض، إذ المناسب العرى عن شهادة الأصل غير معمول به.

@ الشرح:
المعارضة هي: إقامة دليل يقتضي نقيض أو ضد ما اقتضاه دليل المستدل.
وسؤال المعارضة يتضمن التسليم بدليل الخصم أو بدليل المستدل ولكن يدّعي المعترض أنَّ هذا الدليل معارض بما هو أقوى منه, ولذلك ينبغي أن يؤخر عن سؤال المنع.
وهو قسمان: معارضة في الأصل ومعارضة في الفرع.
والمعارضة في الأصل هو أسهلهما, لأنه يعترض على الوصف المعلل به, فيبدي معنى آخر يصلح للعلية غير ما علل به المستدل فقط.
وأما المعارضة في الفرع فإنه يحتاج إلى ذكر دليل صلاحية ما يذكره للتعليل وذكر أصل يشهد له فيستلزم ذلك أن ينقلب المعترض مستدلا والمستدل معترضا عليه.
القسم الأول: المعارضة في الأصل
ومعناه: أن يبين المعترض في الأصل الذي قاس عليه المستدل معنى آخر غير المعنى الذي ذكره المستدل.
مثال ذلك أن يقول المستدل الحنفي في عدم وجوب تبييت النية في صوم الفرض: إنه صوم عين فيؤدي بالنية قبل الزوال قياسا على النفل.
فيعترض المعترض بقوله: ليس المعنى في الأصل -وهو صوم النفل- هو ما ذكرت أيها المستدل, بل المعنى فيه أن النفل مبني على السهولة والتخفيف, وعليه جاز أداؤه بنية متأخرة عن الشروع, وهذا بخلاف الفرض.
ومثال آخر: إذا علل المستدل الحنبلي صحة أمان العبد بقوله: إن العبد مسلم مكلف فصح أمانه كالحر.
فيقول المعترض: في الحر معنى ليس موجودا في العبد وهو وصف الحرية, فإذا كان وصف الحرية معتبرا في الأمان فلا يصح إلحاق العبد بالحر.
= الوصف أو المعنى الذي أبداه المعترض في الأصل هل يلزم المستدل الاحتراز منه في دليله بحذفه أو لا؟
اختلف فيه على مذهبين, فقال قوم: لا يلزمه فلا يحتاج إلى حذفه, واستدلوا بدليلين:
الدليل الأول: أنه إذا صح التعليل بما ذكره المستدل مع عدم المعارض صح مع وجوده, وإنما صح التعليل به نظرا لصلاحيته فيه لا لعدم المعارض.
والثاني: أنه من الممكن إزالة التعارض بالجمع بين الوصف الذي علل به المستدل والوصف الذي علل به المعترض فإذا وجد كل منهما ثبت الحكم.
والصحيح عند ابن قدامة أن المستدل يلزمه حذف ما ذكره المعترض, وذلك لأن الأصل المناسب إذا كان عاريا عن شهادة الأصل كان غير معمول به, وإذا شهد له أصل فإن الحكم حينئذ يثبت على وفقه.
= للمستدل في الجواب عن سؤال المعارضة في الأصل طرق أربعة
الطريق الأول: أن يبين المستدل أنَّ الحكم ثبت في بعض الصور بدون الوصف الذي ذكره المعترض, فيدل ذلك على أنَّ وصف المعترض عديم التأثير وغير معتبر في الحكم فيستقل ما ذكره المستدل بالتعليل.
مثاله: مسألة أمان العبد التي سبقت إذ يرد المستدل على المعترض فيقول: قد صح أمان العبد المأذون له في القتال مع انتفاء الحرية فيه, وذلك دليل على عدم اعتبار الحرية وبالتالي يستقل ما ذكره المستدل من وصف الإسلام والتكليف بالحكم.
الطريق الثاني: أن يبين المستدل أن ما أبداه المعترض في الأصل ملغى في جنس الحكم المختلف فيه في نظر الشارع كالذكورية في العتق.
مثاله:
- قال المستدل في الأمة المبعضة: رقيق ومملوكة فسرى فيها عتق الموسر فيها قياسا على العبد.
- قال المعترض: لا تقاس على العبد لأن في العبد معنى خاصا يصلح أن يكون علة لسراية العتق وهو الذكورية.
- قال المستدل: ما ذكرته وإن كان محتملا للمناسبة إلا أن الذكورية والأنوثية وصف ملغى في نظر الشارع في باب العتق كالسواد والبياض والطول والقصر.
الطريق الثالث: أن يبين المستدل أن علته ثابتة بنص أو إيماء أو غيره من مسالك إثبات العلة.
مثال إثبات العلة بالنص:
أن يقول المستدل في قتل المرتدة: دليله حديث (من بدل دينه فاقتلوه), ظاهر أن تبديل الدين علة مستقلة للقتل.
ومثاله بالإيماء:
أن يقول في نفس المسألة: القتل حكم اقترن بوصف مناسب وهو تبديل الدين, فوجب أن يكون هو العلة فيه, كالقطع مع السرقة والجلد مع الزنا.
الطريق الرابع: أن يبين المستدل أنَّ علته أرجح من علة المعترض أو من الوصف الذي ذكره المعترض.
مثاله:
أن يقول المستدل الحنفي للمعترض في وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان: إنَّ التعليل بانتهاك حرمة الشهر أو التعليل بالفطر أولى من التعليل بخصوص الجماع, لأن علتي متعدية فلا تقتصر على محل النص بل تتجاوزه ففيها فائدة أكثر من علتك القاصرة.

القسم الثاني: المعارضة في الفرع
ويكون بأمرين:
الأول: أن يذكر المعترض ليلا من نص أو إجماع يدل على خلاف ما دل عليه قياس المستدل. ويكون هذا من فساد الاعتبار الذي سبق ذكره. ومثاله:
إذا قال من لا يرى رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام: الركوع ركن من أركان الصلاة لا يشرع فيه الرفع كالسجود. فيعترض عليه المعترض بذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في ثلاثة مواطن: عند الإحرام والركوع والرفع منه) متفق عليه.
الأمر الثاني: أن يذكر المعترض وصفا في الفرع مانعا للحكم  أو مانعا لسببية الوصف.
مثال لمنع الحكم: إذا قال المانع من رفع اليدين في الركوع: ركن فلا يشرع فيه الرفع كالسجود. فيقول المعترض: ركن يشرع فيه كالإحرام, فقد منع المعترض حكم المستدل إذ قاسه على أصل آخر.
ومثال لمنع سببية الوصف:
إذا قال المستدل في المرأة: بدلت دينها فتقتل كالرجل. فيقول المعترض: أنثى فلا تقتل بكفرها كالكافرة الأصلية, فبين أن تبديل الدين ليس سببا لقتل المرأة.


# الوجه العاشر في السؤال: عدم التأثير
ومعناه: أن يذكر في الدليل ما يستغنى عنه في إثبات الحكم في الأصل إما لأن الحكم يثبت بدونه وإما لكونه وصفًا طرديًّا.
مثال الأول: ما لو قال، في بيع الغائب: "مبيع لم يره فلا يصح بيعه، كالطير في الهواء", فذكر عدم الرؤية ضائع؛ فإن الحكم يثبت في الأصل بدونه، فإنه لا يصح بيع الطير في الهواء، ولو كان مرئيًّا، فيعلم: أن العلة فيه غير ما ذكره المستدل.
ومثال الثاني: قولهم، في الصبح: صلاة لا يجوز قصرها، فلا يجوز تقديمها على الوقت كالمغرب.
فإن هذا وصف طردي، على ما لا يخفى.

@ الشرح:
عدم التأثير هو: ذكر وصف أو أكثر تستغني عنه العلة في ثبوت حكم أصل القياس, إما لكون ذلك الوصف طرديا لا يناسب ترتب الحكم عليه أو لكون الحكم ثبت بدونه.
أي: أن يذكر المعترض في دليل المستدل وصفًا يمكن الاستغناء عنه في ثبوت الحكم في الأصل, وهذا على نوعين:
النوع الأول: أن يذكر المعترض أنَّ من أوصاف العلة التي علل بها المستدل وصفًا طرديًا لا مناسبة فيه يمكن حذفه مع بقاء الحكم في الأصل من غير تغيير.
مثاله: أن يستدل المستدل على عدم تقديم أذان الفجر عليها فيقول: الفجر صلاة لا تقصر فلا يقدم أذانها عليها كالمغرب.
فيمكن للمعترض أن يورد عليه سؤال عدم التأثير فيقول: كونها لا تُقصر ليس له أثر فيما تدعيه من حكم من أنَّ أذانها لا يُقدَّم عليها، بدليل أن الصلوات التي تقصر كالظهر والعصر لا يقدم أذانها عليها باتفاق فالقصر وعدم القصر ليس له أثر.
النوع الثاني: أن يبين المعترض أن الوصف وإن كان فيه مناسبة, لكن الحكم في الأصل لا يتوقف عليه بل يثبت بدونه فيكون هذا الوصف زائدا لا فائدة له.
ومثاله:  
أن يقول من يرى عدم صحة بيع الغائب: إن المبيع الغائب لم يره المشتري فلا يصح بيعه كالطير في الهواء. فيقول المعترض: عدم الرؤية فيها مناسبة، ولكن هذه المناسبة ليس لها تأثير في حكم الأصل، فهو يثبت بدونها ، فلا يجوز بيع الطير في الهواء حتى وإن رآه البائع . فالعلة ليست الرؤية من عدمها، بل العلة أنه لا يتمكن من تسليمه.
= شروط سؤال عدم التأثير
شروطه:
أن تكون العلة مستنبطة وأن تكون مختلفا فيها، أي يشترط أن لا تكون منصوصة ولا مجمعًا عليها ، فإن كانت العلة منصوصة أو مجمعًا عليها فإنه لا يرد عليها سؤال عدم التأثير ولا يبطلها.
= لو كان الوصف الذي زاده المستدل في علته طرديا فيه نوع فائدة, مثل دفع النقض، بأن يشير أن الفرع خال من مانع الحكم، أو أن الفرع مشتمل على شرط الحكم، فهل يكون هنا عديم التأثير ويرد عليه هذا السؤال؟
اختلفوا فيه والأرجح أنه لا يرد عليه لوجود الفائدة, ومثاله:
قول المستدل في وجوب تبييت النية في صوم رمضان: صوم رمضان صوم مفروض فيجب تبييت النية فيه كصوم القضاء. فقوله "صوم مفروض" وصف طردي لا مناسبة فيه ولكن ذكره ليندفع به النقض بصوم النفل لأنه لا يجب فيه تبييت النية.

@ السؤال الحادي عشر: التركيب
التركيب ينقسم إلى قسمين : تركيب في الأصل وتركيب في الوصف.
والقياس المركب: إما مركب الأصل وإما مركب الوصف.
والمقصود بمركب الأصل: أن يتفق الخصمان على حكم الأصل وعلى كون الوصف المدعى أنه علة موجودًا فيه، ولكن كل واحد منهما يدعي له علة غير علة الآخر، كالاتفاق على تحريم الربا في البر، وعلى وجود وصف الكيل والطعم فيه، مع اختلافهم في العلة، هل هي الكيل أو الطعم؟
وذكر الإمام ابن قدامة مثالا آخر وهو: أن يقول الحنبلي مثلًا في المرأة البكر البالغة: أنثى فلا تُزوّج نفسها كابنة خمس عشرة سنة، فالحنفي يوافق على حكم الأصل -وهو أن ابنة خمسة عشر لا تُزوّج نفسها- لكن العلة ليست الأنوثة بل أنها ما زالت صغيرة وليست رشيدة ولذلك يجوز للمرأة البالغة الرشيدة عند الحنفية أن تزوج نفسها.
والمقصود بمركب الوصف: أن يتفق الخصمان على حكم الأصل، ولكن المعترض يدعي عدم وجود العلة التي يدعيها المستدل. ومثاله: قياس الشافعي والحنبلي "إن تزوجت فلانة فهي طالق" على "فلانة التي أتزوجها طالق" في عدم لزوم الطلاق بعد التزوج، فإن المالكي يوافقهم في عدم الطلاق في الأصل، وهم يقولون: العلة تعليق الطلاق قبل ملك محله، فيمنع المالكي وجود هذه العلة في الأصل فيقول: هو تنجيز طلاق أجنبية وهي لا ينجر عليها الطلاق، ولو كان فيه التعليق على زواجها لطلقت بعد التزوج.
فالخلاصة :أن الاتفاق ثابت بين الخصمين في الحكم في نوعي المركب، فإن منع الخصم كون الوصف علة الحكم مع اعترافه بوجود الوصف في الأصل فهو مركب الأصل، وإن منع وجود الوصف في الأصل فهو مركب الوصف سواء اعترف بأن ذلك الوصف المزعوم نفيه عن الأصل هو العلة أو لا. وهذان النوعان من التركيب داخلان في سؤال المنع الذي سبق ذكره وبيانه.
= اختلفوا في الاحتجاج أو التمسك بالقياس المركب على مذهبين:
1. قيل: إنه يصح, ويمكن المستدل من الاستدلال على وجود العلة في الأصل إذا منع المعترض وجودها فيه، ثم إذا قال المعترض: أسلم بحكم الأصل ولكن العلة ليست هي بل غيرها أصبح من نوع المعارضة في الأصل فيجاب عنه بالأجوبة الأربعة التي ذكرت في سؤال المعارضة في الأصل, وذلك كأن يقول المستدل جوابا عن المعترض:
إنَّ علتي ثبتت بنص,                                                                 
أو إن علتك أيها المعترض ثبت الحكم بدونها ,
أو إن علتي أقوى من علتك؛ لأنها منصوص عليها أو مومئ إليها,
أو إن علتي أرجح؛ لأنها أكثر فروعًا أو لأي سبب من أسباب الترجيح.
2. قيل: لا يصح القياس المركب بمعنى أن التركيب سؤال يفسد القياس، لأن القياس المركب هروب وفرار من فقه المسألة إلى مسألة أخرى وهذا يؤدي إلى انتشار الكلام وعدم حسم الخلاف، فالحنبلي مثلًا حينما أراد أن يستدل على الحنفي ذهب إلى أن يقيس الحرة البالغة الرشيدة على ابنة خمسة عشر؛ ليزعم أنه لا يجوز أن تزوج نفسها ، والحنفي يوافقه على حكم الأصل ، ولكنه يخالفه في العلة.
ولعل الأرجح فيه أنه يصلح أن يستدل بالقياس المركب الناظر, لكن لا يستدل به على مُناظِرِه وعلى خصمه إنما يستدل به لنفسه فيفتي به . 

@ السؤال الثاني عشر: القول بالموجب
الموجب بكسر الجيم: الدليل والموجب بفتح الجيم: ما أوجبه الدليل واقتضاه.
تعريف القول بالموجب: تسليم مقتضى دليل الخصم مع دعوى بقاء النزاع في الحكم.
ومعناه أن المعترض يقول: أنا أُسلِّم بدليلك وأقول بموجَبه أي بمقتضاه، لكن أنازع في كونه يدل على محل النزاع.
وهذا الاعتراض يرد على أي دليل، قد يكون الدليل من القرآن أو من السنة أو من الإجماع أو من القياس.
= هناك ثلاثة أمور لا بد من معرفتها في هذا السؤال
وهي:
الأمر الأول: أن القول بالموجب إن صح وتوجه على المستدل انقطع المستدل؛ لأن به تبين أن دليله لم يتناول محل النزاع.
الثاني: أن القول بالموجب إذا فسد انقطع المعترض؛ لأنه بفساده يثبت دليل المستدل على محل النزاع سالما عن المعارض.
الثالث: أن القول بالموجب آخر الأسئلة والاعتراضات التي توجه إلى القياس على ما يقتضيه ترتيبها, وذلك لأن في القول بموجب الدليل تسليم علته وحكمه, وبعد تسليم العلة والحكم لا يجوز النزاع فيهما.
= موارد القول بالموجب
لهذا السؤال موردان, هما:
المورد الأول: أن يرد القول بالموجب على إبطال ما يظن المستدل أنه مأخذ الخصم، فحينما يكون دليل المستدل مُنصبًّا على ما يظن أنه مأخذ الخصم ينكر الخصم أن يكون هذا مأخذه .
ومثاله: أن يقول الحنبلي: التفاوت في الآلة لا يمنع القصاص كالتفاوت في صفة القتل, ويقول هذا الدليل ليثبت أن القتل بالمُثَقَّل يجب فيه القصاص.
فالحنبلي هنا يظن أنَّ المأخذ عند الحنفي "أنه يرى أنَّ التفاوت في آلة القتل له أثر"، فيعترض الحنفي على هذا فيقول: أقول بموجب دليلك فالتفاوت في الآلة لا يمنع القصاص، لكن هل القصاص يجب لأجل عدم المانع؟ الجواب: لا، القصاص يجب عند ثبوت المقتضي وليس عند عدم المانع، وهو قصد القتل، وحينما كان القصد إلى القتل خفيًا لا يستطيع أن يدركه كل أحد استدللنا عليه بآلة القتل، فقلنا: إن كانت الآلة حادة فمعنى هذا أنه أراد قتله، وأما إن كانت لا تقتل بحدِّها وإنما هي ثقيلة كالحجر والعصا؛ فإنا حينئذ نقول أراد الإضرار به لكن لم يرد قتله.
المورد الثاني: أن يذكر المستدل في دليله ما يشمل صورة من الصور المتفق عليها، فيحمله المعترض على تلك الصورة ليبقى النزاع فيما عداها، أي حينما يكون دليل المستدل يحتمل أكثر من صورة وإحدى الصور يوافق عليها المعترض؛ فإنه الآن يقول بموجبه لكن يجعله في هذه الصورة.
ومثاله:
أن يقول المستدل: الخيل حيوان يُسَابَقُ عليه فتجب فيه الزكاة كالإبل، فيقول المعترض: أنا أقول بموجبه، نعم تجب فيه الزكاة لكن زكاة التجارة.
= طرق الجواب عن القول بالموجب
الطريق الأول: أن يُبين المستدل أن دليله في موضع النزاع وأنَّ تسليمه يُعد تسليماً لمحل النزاع.
مثاله: أن يقال في المثال السابق الذي في الخيل حينما قال الحنبلي: الخيل حيوان يسابق عليه فتجب فيه الزكاة، فقال الخصم: أنا أقول بموجبه تجب فيه الزكاة لكن زكاة التجارة، وله أن يجيب: الخلاف إنما هو في زكاة العين وليس الخلاف في زكاة التجارة، فإذا سلَّمت به تكون قد سلَّمت بمحل النزاع.
الطريق الثاني: أن يبين المستدل أنَّ موجب دليله يستلزم بطلان دليل الخصم .
كما في مثال الآلة يمكن أن يقول: إذا سلَّمت بموجب دليلي أنَّ التفاوت في الآلة لا يمنع القصاص؛ فيجب عليك أن تقول بما أقول به من وجوب القصاص في القتل بالمُثَقَّل.
الطريق الثالث:أن يبين أنَّ اعتراضه وارد على الزيادة التي زادها.
مثاله: أن يقول الحنبلي: الخل مائع لا يرفع الحدث فلا يزيل النَّجَس كاللبن، فيعارضه الحنفي ويقول: أنا أقول بموجبه في الخل النجس، فيقول المستدل: أنا لم أذكر في دليلي الخل النجس، وإذا أطلقت فالمقصود الطاهر، وإلا لو كان الكلام عدم جواز الوضوء لأجل النجاسة؛ حتى الماء النجس ما يجوز الوضوء به!!

= هل هناك أسئلة أخرى يمكن أن ترد على القياس أو اعتراضات أخرى؟
الجواب: نعم, هناك اعتراضات كثيرة جدًا، لكن لم تذكر تحت اسم القوادح، وإنما تكون بسبب الخلاف في بعض أنواع الأقيسة.
فمثلا: أنَّ الحنفي قد يعترض على بعض الأقيسة بأنها هذا قياس في الحدود أو هذا قياس في الكفارات والقياس في الكفارات لا يصح, والظاهري قد يعترض على القياس عمومًا بعدم حجيته في الدين.
وقد يعترض أيضًا على القياس بأنه قياس على المستثنى من القياس، فالمستثنى من قاعدة القياس ينبغي أن لا يُقاس عليه إلا إذا كان المقيس في معنى المقيس عليه، فمثلاً العرايا استثنيت من بيع التمر بالتمر مع التفاضل، فهل يجوز أن نقيس على عرايا النخل عرايا العنب ونقول يجوز بيع الزبيب بالعنب متفاضلاً بقصد التفكه بالعنب؟ هذا قال به بعض العلماء، لأنه لا فارق بين بيع الرطب بالتمر وبيع العنب بالزبيب، ولكن من الفقهاء من يمنع القياس على المستثنى من قاعدة القياس، ويقول هذا استثناء والاستثناء يقتصر به على محله.
= هل هذه الأسئلة يجب ترتيبها؟
قد اختلف في وجوب ترتيبها, ولا خلاف في أنه أحسن وأولى.
= كيف يمكن ترتيبها ؟
الترتيب الطبيعي أن تتكلم أولاً في ثبوته، إذا كان القدح في ثبوته ممكنا تقول الدليل مثلاً ضعيف.
ثم بعد هذا تنتقل إلى الكلام عن دلالته.
كذلك الشأن في أدلة القياس، يقولون: لا ينبغي لك أن تأتي بسؤال فيه إثبات واعتراف بوجود العلة مثلاً كسؤال المطالبة؛ ثم تعود وتمنع وجود العلة أصلاً، فسؤال المطالبة مبناه على وجود العلة لكن يطالب بدليله، فلا تأتي وتقول العلة أصلاً غير موجودة والوصف أصلاً غير موجود.







[1] المستصفى (ص342) ط. دار الكتب العلمية.

1 komentar:

  1. Wynn vs Encore Las Vegas: What's the difference? - DRM
    Wynn Las Vegas opened its 동두천 출장샵 doors on 보령 출장안마 May 14, and is still one of 경산 출장샵 the 원주 출장샵 most 남원 출장마사지 iconic hotels in Las Vegas.

    BalasHapus