Sabtu, 01 Oktober 2016

الأصل في اللعب واللهو



هذا جزء مما كتبت في بحث المستوى السادس من كلية الشريعة في معهد العلوم الإسلامية والعربية بجاكرتا:

المبحث الثالث: الأصل في اللعب واللهو

قبل أن نتعمق في هذا البحث أريد أن أشير إلى قضية مهمة وهي ما الأصل في اللعب واللهو؟ وقد دعاني إلى هذا ما قاله الإمام الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع من أن اللعب في الأصل حرام, ولم أجد مثل هذا الكلام في كتب المذاهب الأخرى التي كلفنا بتركيز القراءة عليها وكلامه هذا يحتاج إلى تحرير حتى نعرف مدى صحته, ونص كلامه كالآتي:
"واللعب حرام في الأصل إلا أن اللعب بهذه الأشياء (الحافر والخف والنصل والقدم) صار مستثنى من التحريم شرعا, لقوله عليه الصلاة والسلام: (كل لعب حرام إلا ملاعبة الرجل امرأته وقوسه وفرسه), حرم عليه الصلاة والسلام كل لعب واستثنى الملاعبة بهذه الأشياء المخصوصة, فبقيت الملاعبة بما وراءها على أصل التحريم, إذ الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا"[1], إلى أن قال: "فصارت هذه الأنواع مستثناة من التحريم فبقي ما وراءها على أصل التحريم, ولأن الاستثناء أن يحتمل أن يكون لمعنى لا يوجد في غيرها وهو الرياضة والاستعداد لأسباب الجهاد في الجملة...وهذا المعنى لا يوجد في غير هذه الأشياء, فلم يكن في معنى المستثنى فبقي تحت المثنى"[2]. ونفهم من كلامه أن الأصل في اللعب واللهو حرام إلا ما استثناه النص وما ورد في معنى النص, فكل لعب لا يعين على الجهاد يبقى على أصل التحريم لأنه لم يكن في معنى ما استثناه النص واستدل بحديث (كل لعب حرام إلا ملاعبة الرجل امرأته وقوسه وفرسه).
وقد ذهب إلى نحو ما ذهب إليه الإمام الخطابي في معالم السنن حيث قال حين شرح حديث (ليس من اللهو إلا ثلاث...): "وقوله: (ليس من اللهو إلا ثلاث) يريد: ليس المباح من اللهو إلا ثلاث"[3], وقال أيضا: "في هذا بيان أن جميع أنواع اللهو محظورة، وإنما استثنى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذه الخلال من جملة ما حرم منها؛ لأن كل واحدة منها إذا تأملتها وجدتها معينة على حق أو ذريعة إليه، ويدخل في معناها ما كان من المثاقفة بالسلاح، والشد على الأقدام، ونحوهما مما يرتاض به الإنسان؛ فيتوقح بذلك بدنه ويتقوى به على مجالدة العدو. فأما سائر ما يتلهى به البطالون من أنواع اللهو؛ كالنرد والشطرنج والمزاجلة بالحمام، وسائر ضروب اللعب مما لا يستعان به في حق، ولا يُسْتَجَمّ به لدرك واجب فمحظور كله"[4].
والإمام المرداوي الحنبلي في تصحيح الفروع نقل عن الإمام محمد بن عبد الله السامري صاحب كتاب المستوعب أنه قال: "وكل ما سمي لعبا مكروه إلا ما كان معينا على قتال العدو"[5]. وذكر أيضا وابن مفلح قبله أن في كراهة لعب غير معين على عدو وجهين في المذهب الجنبلي: أحدهما: يكره وهو الصواب إلا أن يكون له فيه قصد حسن, والوجه الثاني: لا يكره[6]. وذكر الدكتور محمد الزحيلي: أن الأصل في اللهو واللعب الإباحة عند الإمام الشافعي, خلافا للإمام مالك, إلا ما قام الدليل على تحريمه[7]. فنستنتج من هذه النقول أن العلماء اختلفوا في حكم أصل اللهو واللعب إلى ثلاثة أقوال: التحريم, والكراهة, والإباحة.
والذي ينبغي ملاحظته أن الحديث لم يرد باللفظ الذي أورده الكاساني وإنما الوارد بلفظ ((كل ما يلهو به الرجل المسلم باطلٌ، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهنَّ مِن الحق))[8] ومدار الخلاف هو تفسير معنى "باطل" في الحديث.
وقال المباركفوري: "باطل: لا ثواب له[9]." وقال ابن العربي المالكي في عارضة الأحوذي: "ليس يريد به حرام, وإنما يريد به أنه عار من الثواب, وأنه للدنيا محضا, لا تعلق له بالآخرة.. [10]."
وقال الإمام البخاريّ -رحمه اللّه تعالى-: "باب كلّ لهو باطل إذا شغله عن طاعة اللّه تعالى", قال العيني: "وقيد – أي البخاري – بقوله: إذا شغله... الخ, لأنه إذا لم يشغله عن طاعة الله يكون مباحا, وعليه أهل الحجاز. ألا يرى أن الشارع أباح للجاريتين يوم العيد الغناء في بيت عائشة من أجل العيد, كما مضى في كتاب العيدين, وأباح لها النظر إلى لعب الحبشة بالحراب في المسجد؟"
[11], فيفهم من مجموعة كلامهم أن الأصل في اللهو واللعب الإباحة, إذ كلمة "باطل" لا تدل على التحريم والحديث عام مخصوص -كما أشار إليه العيني-:
1. خص بلعب الحبشة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بحرابهم[12].
2. وبغناء الجاريتين يوم العيد في بيت عائشة مع إقرار رسول الله[13].
3. ومخصوص أيضا بملاعبة الأطفال، فقد روي عن أنس أنه قال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا، حتى يقول لأخ لي صغير: "يا أبا عُمير، ما فعل النغير"[14].
4. وثبت عن عطاء بن أبي رباح، قال: "رأيت جابر بن عبدالله وجابر بن عميرٍ الأنصاريين يرميان قال: فأما أحدهما فجلس، فقال له صاحبه: أكسلت؟ قال: نعم، فقال أحدهما للآخر: أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((كل شيءٍ ليس من ذِكْر الله فهو لعبٌ، لا يكون أربعة: مُلاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الغرضين، وتعلم الرجل السباحة))[15].
والراجح -والله أعلم- أن الأصل في حكم اللعب واللهو داخل في قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة كما دخل فيها حكم الأصل في العادات, وخرج من هذا الأصل كل ما نهى عنه الشارع نهي تحريم أو نهي كراهة.
قال الشيخ خالد المشيقح: "وهذه المسابقات المباحة كثرت اليوم بسبب ترقي العلم وتطوره, فالأصل أنها مباحة؛ لأنها من قبيل العادات.
الأصل في عاداتنا الإباحة     حتى يجيء صارف الإباحة"[16].
وشيخ الإسلام ابن تيمية له كلام نفيس جدا في هذه المسألة, قاله في كتاب الاستقامة: "أما اللذة التي لا تعقب لذة في دار القرار ولا ألما ولا تمنع لذة دار القرار فهذه لذة باطلة؛ إذ لا منفعة فيها ولا مضرة، وزمانها يسير، ليس لتمتع النفس بها قدر، وهي لا بد أن تشغل عما هو خير منها في الآخرة، وإن لم تشغل عن أصل اللذة في الآخرة.
وهذا هو الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل؛ إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فإنهن من الحق). رواه مسلم. وكقوله لعمر لما دخل عليه وعنده جوار يضربن بالدف فأسكتهن لدخوله وقال: (إن هذا رجل لا يحب الباطل).
فإن هذا اللهو فيه لذة ولولا ذلك لما طلبته النفوس، ولكن ما أعان على اللذة المقصودة من الجهاد والنكاح فهو حق، وأما ما لم يعن على ذلك؛ فهو باطل لا فائدة فيه، ولكن إذا لم يكن فيه مضرَّة راجحة لم يحرم ولم يُنه عنه، ولكن قد يكون فعله مكروها؛ لأنه يصد عن اللذة المطلوبة؛ إذ لو اشتغل اللاهي حين لهوه بما ينفعه ويطلب له اللذة المقصودة لكان خيرا له.
والنفوس الضعيفة كنفوس الصبيان والنساء قد لا تشتغل ـ إذا تَرَكَتْه ـ بما هو خير منها لها، بل قد تشتغل بما هو شر منه، أو بما يكون التقرب إلى الله بتركه؛ فيكون تمكينها من ذلك من باب الإحسان إليها والصدقة عليها، كإطعامها وإسقائها؛ فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن بعض أنواع اللهو من الحق)، وكان الجواري الصغيرات يضربن بالدف عنده، وكان صلى الله عليه وسلم يمكنهن من عمل هذا الباطل بحضرته إحسانا إليهن....ومحبة النفوس للباطل نقص، لكن ليس كل الخلق مأمورين بالكمال، ولا يمكن ذلك فيهم، فإذا فعلوا ما به يدخلون الجنة لم يَحْرُم عليهم ما لا يمنعهم من دخولها" اهـ
[17].







[1] بدائع الصنائع: 6/314.
[2] بدائع الصنائع: 6/314.
[3] معالم السنن شرح سنن أبي داود: 2/183, ط. مؤسسة الرسالة.
[4] معالم السنن: 2/184.
[5] الفروع ومعه تصحيح الفروع: 7/186.
[6] الفروع ومعه تصحيح الفروع: 7/186.
[7] القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة: 1/192.
وقال الإمام تاج الدين السبكي في الأشباه والنظائر (1/430): "قاعدة: ذكر بعضهم أن أصل قاعدة مذهبنا "أن اللهو واللعب أصلهما على الإباحة خلافًا لمالك". وهذه العبارة لا أعرف أحدًا -من الأصحاب- قالها؛ ولكنها قضية أن أصول الأشياء على عدم التحريم".
[8]  رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن عقبة بن عامر. وقال الشوكاني في نيل الأوطار (9/227): "في إسناده خالد بن يزيد أو ابن يزيد وفيه مقال وبقية رجاله ثقات", وقال محققا معالم السنن الشيخ سعد بن نجدت عمر والشيخ شعبان العودة (6/183): "حديث حسن بمجموع طرقه وشواهده".
[9] تحفة الأحوذي: 5/214, ط. دار الفكر.
[10] عارضة  الأحوذي: 4/122, ط. دار الفكر.
[11] عمدة القاري: ج22/ص273, ط. دار الفكر.
[12] رواه البخاري في صحيحه, كتاب الصلاة, أبواب العيدين, باب أصحاب الحراب في المسجد, برقم (454) و(455).
[13] رواه البخلري في صحيحه, كتاب الصلاة, أبواب العيدين, باب الحراب والدرق يوم العيد, رقم (949).
[14] رواه البخاري في صحيحيه, كتاب الأدب, باب الانبساط إلى الناس, رقم (6129).
[15] رواه النسائي في السنن الكبرى, كتاب عشرة النساء, باب ملاعبة الرجل زوجته, رقم (8889).
[16] المختصر في المعاملات: 199.
[17] الاستقامة: 2/153-156 بتصرف.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar